وخلال قيامهم بعملهم اليومي، يسترشد معظم الصحافيين بالتنظيم الذاتي، الذي يعني جملة التعليمات الأخلاقية للمجتمع الصحافي المهني. ونظام التنظيم الذاتي مع المبادئ التوجيهية المتصلة به هو نظام مستقل بذاته عن الدولة والتشريعات، ويهدف، على سبيل المثال لا الحصر، إلى ضمان الصدق والدقة في العمل الصحافي، وحقوق المراسلين الصحافيين والأشخاص الذين تجري مقابلتهم.
إن نظام التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام هو محاولة من جانب المهنيين العاملين في مكاتب التحرير لخلق تعليمات التحرير الطوعية والتمسك بها والإشراف عليها، وفتح المجال لعملية التعلم المتصل بها أمام الجمهور. ويجعل هذا النظام الصحافة مستقلة، حيث تتحمل وسائل الإعلام المسؤولية عن نوعية المناقشات العامة الجارية، مع الاحتفاظ باستقلاليتها التحريرية الكاملة.
وتكتب مبادئ التنظيم الذاتي عادةً في المدونات الأخلاقية للصحافة، وهي مجموعة من المبادئ التوجيهية، وغالباً ما تكون أكثر دقة من القانون. وتحدد المدونات الأخلاقية حقوق القارئ، والصحافي، والأشخاص الذين تتم مقابلتهم. كما تحدد المبادئ الأساسية التي توجه العمل الصحافي، مثل الصدق والموضوعية. وغالباً ما تكون المدونات الأخلاقية للصحافة ذات صبغة وطنية خاصة، ويعود ذلك إلى الاختلاف في الثقافات والتشريعات. وعلى سبيل المثال، وافقت عمليّاً جميع وسائل الإعلام في فنلندا على الالتزام بالتعليمات الخاصة بالصحافيين الصادرة عن اتحاد الصحافيين الفنلندي. كما أن نقابة الصحافيين الفلسطينيين نشرت التعليمات الأخلاقية على صفحتها على الإنترنت.
وبإمكان المؤسسات الإعلامية وضع منظومة للمبادئ التوجيهية الأخلاقية الخاصة بها وحدها. ومن الأمثلة المعروفة في هذا الإطار، دليل هيئة الإذاعة البريطانية BBC ودليل الأسوشييتدبرس AP. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون لكل من الوسائل الإعلامية المختلفة مدوناتها الخاصة بها، مثلاً مدونة منفصلة للصحافة وأخرى للتلفزيون أو لوسائل الإعلام على الإنترنت. ومع ذلك، فإن المبادئ الأساسية تبقى نفسها، بغض النظر عن البلد أو الوسط الإعلامي.
كما أن بعض المجتمعات المهنية الأخرى لديها إرشادات أخلاقية خاصة بها. ويمكن مقارنة المدونة الأخلاقية للصحافيين بقسم أبقراط للأطباء، حيث يجب على الأطباء الجدد أداء القسم بأنهم سيحافظون على المعايير الأخلاقية المحددة.
إنها مسألة مركزية أن يضع الصحافيون أنفسهم المدونات الأخلاقية، وألا يمليها عليهم مالكو وسائل الإعلام أو الدولة. وإذا كانت الحكومة ستتدخل في كتابة المدونات الأخلاقية، فإن كل فكرة التنظيم الذاتي تنهار. ومن المهم أيضاً، أن يتم تحديث هذه المدونات كلما استدعت الحاجة. وعلى سبيل المثال، فإن التطورات المتسارعة لصحافة الإنترنت تتطلب تعديل المدونات بما يتلاءم مع معايير وقتنا هذا.
اقرأ المزيد حول:
المبادئ التوجيهية مشتركة عالمياً
إضاءة: ما حاجتنا للتنظيم الذاتي في ظل وجود القوانين؟
فيما يلي الحجج المؤيدة للتنظيم الذاتي وفقاً لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE):
– التنظيم الذاتي يفيد الصحافيين، ويزيد ثقة القارئ بوسائل الإعلام، لأنها تراقب أخطاءها بنفسها. وتوجد لدى القراء فرصة للتقييم النقدي حول ما إذا كانت وسائل الإعلام تلتزم بالمبادئ التوجيهية المنصوص عليها في المدونات الأخلاقية. وهذا موضع ترحيب بصفة خاصة في الديمقراطيات الجديدة، وهي في معظمها جديدة العهد بالصحافة المستقلة. وفي الوقت نفسه، فهو يحمي حق الصحافيين بأن يكونوا مستقلين، وأن يحاكموا على أخطائهم المهنية من قِبل زملائهم، لا ممن هم في السلطة. وعندما يتعلق الأمر بتصحيح الأخطاء الفعلية أو انتهاكات الصحافة لحقوق شخصية، فإن الارتياح إزاء الأحكام الصادرة من الهيئات القائمة على التنظيم الذاتي من شأنه أن يقلل الضغط على النظام القضائي في معاقبة الصحافيين.
– التنظيم الذاتي يفيد القارئ، إذ يمكن للقراء أن يعترضوا على محتوى المقالات مجاناً، بينما الإجراءات القانونية تكون عادةً مكلفة. وحل المنازعات في هذه الأطر أسرع مما هو عليه في المحاكم، كما يتم الاعتراف بالأخطاء علنا في الصحافة.
– التنظيم الذاتي يعزز من استقلالية وسائل الإعلام، حيث إن المخالفات التي يرتكبها الصحافيون يعاقب عليها من قِبل زملائهم وليس من المسؤولين في الدولة.
– التنظيم الذاتي يقلل من سلطة الدولة على وسائل الإعلام، فعندما تأخذ وسائل الإعلام على عاتقها مسؤولية الالتزام بالممارسات الصحافية الجيدة، لا تحتاج الدولة إلى التدخل بقوة في أنشطة وسائل الإعلام. وبالتالي، فإن التنظيم الذاتي يضمن استقلالية ونوعية الصحافة. والتنظيم الذاتي ليس موضوع رقابة ذاتية، بل على عكس ذلك، فإن الجهود المبذولة بالتنظيم الذاتي من شأنها تهيئة الظروف التي تعود بالفائدة على حرية التعبير.
– التنظيم الذاتي يفيد الديمقراطية، فالديمقراطية هي ثقافة مشتركة للاختلاف بطريقة رشيدة وعادلة. والحكومات شريكة في التنافس السياسي، حتى لو تم انتخابها بشكل حر، وبالتالي، فهي ليست الأنسب لإحقاق العقلانية والعدالة. كما أن التنظيم الذاتي هو جهد لفرض الديمقراطية في الثقافة السياسية، بشكلٍ مستقل عن القوى السياسية. وهي تطرح أيضاً الانتقال من الصحافة المملوكة للحكومة، التي تسيطر عليها الدولة، إلى الصحافة التي يمتلكها ويسيطر عليها المجتمع المدني.
المصدر: منظمة الأمن والتعاون في أوروبا
http://www.osce.org/fom/31497?download=true