على الرغم من أن حرية الكلام والتعبير تستند إلى الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان، فإن حرية التعبير في الواقع محدودة في كل مكان. ويعتبر حظرها من المكونات الأساسية لحرية التعبير. وتهدف الرقابة إلى التغيير أو كبت الأفعال أو الأفكار أو المنشورات التي قد تعتبر نابية وضارة أو غير مرغوب فيها سياسيّاً، أو على سبيل المثال مناقضة لمصالح المسؤولين في الحكومة.
ومن الممكن تقسيم الرقابة إلى رقابة أولية ورقابة عقابية ما بعد النشر، حيث تقوم الرقابة الأولية بالتحقق من العروض السمعية والبصرية أو الأدبية، كشرطٍ لتمرير العرض إلى الجمهور والسماح بتعميم المنشور.
تلخص الرقابة العقابية جميع النتائج السلبية التي قد يواجهها المواطن أو الصحافي عند الحديث عن موضوع معين أو الإبلاغ عنه. في جميع أنحاء العالم تشمل هذه النتائج مجموعة واسعة من العواقب تتراوح بين عواقب خفيفة مثل الحصول على ردود فعل سلبية وعواقب أكثر خطورة مثل السجن وحتى الموت.
إن أحد أغراض الرقابة جعل عمل الصحافيين صعباً. ويعد توثيق هذه الانتهاكات ضد الصحافيين والصحافيين المواطنين والإبلاغ عنها إحدى المهام الأساسية لمراسلون بلا حدود.
كما تنشر منظمة مراسلون بلا حدود سنويّاً منذ العام 2002 مؤشر حرية الصحافة في العالم. وهو فهرس يحتوي على قائمة من 180 بلداً تم فيها البحث حول حرية الصحافة الوطنية وتحليلها، وذلك من خلال استبيان ومراسلين محليين.
وهذا الفهرس عبارة عن نظام قائم على أساس النقاط، حيث يحصل كل بلد على نقاط للمقارنة تندرج بين 0 و100 نقطة. ويتم احتساب النتيجة بتقييم منفصل لمجموعة من القيم والمسائل التالية في وسائل الإعلام: التعددية والتنوع، والاستقلالية، والرقابة الذاتية، والتشريعات، والانفتاح، والشفافية، والبنية التحتية الإعلامية. بالإضافة إلى ذلك، وعند احتساب النتيجة، يتم الأخذ في الاعتبار أعمال العنف التي تعرض لها الصحافيون، ويتم رصد أرقام الوفيات في السجون والاعتقالات وعدد الصحافيين الذين أجبروا على مغادرة أوطانهم إلى المنفى.
وقد احتلت بلدان شمال أوروبا، الدنمارك وفنلندا والنرويج والسويد، المراتب العليا على مؤشر حرية الصحافة. على العكس من ذلك، من العام 2013 إلى العام 2019، صنف المؤشر فلسطين في المرتبة 132-146 من أصل 180 وإسرائيل في المراكز من 87 إلى 112 من أصل 180.
على الرغم من أن قارة أوروبا ما زالت في المقدمة، فإن حقوق الصحافيين ليست مثالية في أوروبا، فقد اهتمت التقارير على سبيل المثال بالحماية غير الكافية التي يوفرها القانون في فرنسا لمصادر الصحافيين. وفي فنلندا، البلد الرائد في مجال الصحافة، لفت المؤشر الاهتمام أيضاً إلى تركيز ملكية وسائل الإعلام التي تشكل اتجاهاً عالميّاً مشتركاً للتنمية. فقد اندمجت الشركات التلفزيونية، والمحطات الإذاعية، والصحف وغيرها في تكتلات إعلامية كبيرة، حيث تعمل العديد من وسائل الإعلام المختلفة تحت سقف واحد.
ويعد الفهرس نقطة مرجعية يتم نقلها من قبل وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم ويستخدمها الدبلوماسيون والكيانات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي، ولأنه معروف جيدًا، يتزايد تأثيره على الحكومات.
أمثلة حول الرقابة والرقابة الذاتية تنطبق على الصحافيين في الأراضي الفلسطينية
يتعرض الصحفيون الفلسطينيون لضغوط من عدة اتجاهات، ويتم تسييس المشهد الإعلامي إلى حد كبير في كل من إسرائيل وفلسطين، كما أن تحديد الصحفيين ضمن مجموعات أو أحزاب سياسية أمر شائع للغاية، أدناه قائمة من 6 أنواع للرقابة في فلسطين:
- الرقابة (العسكرية) الإسرائيلية
لا يسمح للصحافيين الفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل، ولا يمنحون بطاقة صحافية إسرائيلية. ويتم منعهم من أداء عملهم بمصادرة المواد التي يعدونها، أو بتدمير معدات التحرير. كما يمكن أن يتم اعتقال الصحافيين دون تحديد السبب.
أ. الرقابة التي تمارسها السلطة في الضفة الغربية
ب. الرقابة التي تمارسها حركة حماس في غزة
- الرقابة التحريرية
حيث يتدخل مدير أو رئيس التحرير في المقال لأسباب غير صحافية. ويمكن أن ينتج عن هذا رفض المادة أو طلب إعادة تحريرها. ويتعلق هذا غالباً بالضغوط المالية من المعلنين أو تهديدات المسؤولين بإغلاق مكاتب وسيلة الإعلام المعنية.
- الرقابة المالية
حيث يتم سحب الإعلانات بسبب اللهجة الناقدة في الكتابة أو حملة المعلنين ضد بيع أعداد الصحيفة المطبوعة.
- الرقابة الذاتية وعلاقتها بحفظ ماء الوجه
حيث إن الصحافيين ملزمون أن يكونوا الضامن لدولتهم الفلسطينية، ولهذا السبب فإن الصحافيين الفلسطينيين يجدون من غير الملائم أن ينشروا مقالات عن الفساد (في غياب قانون يتيح الوصول للمعلومات أو أن يتحدثوا عن غياب الديمقراطية في الحكومة.
- الرقابة الاجتماعية.
التي قد تشتمل على الأسرة والأقارب والقضايا المحلية التي يتم السكوت عنها، بالإضافة إلى المحرمات الدينية. ومن الممكن أن تتضمن هذه أيضاً مسائل مثل الأقليات الجنسية، والحمل في سن المراهقة، وحالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي. ونتيجة لتناولهم مثل هذه القضايا، فقد يتلقى الصحافيون المحليون تهديدات بالقتل أو قد يقاطعهم الأقارب أو تعزلهم مجتمعاتهم المحلية.
المصدر: تابيو كوجالا، الإعلام في الشرق الأوسط، الضغوط المتقاطعة للصحافة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
إن فرض قيود على الصحافة لا يؤثر على الصحافيين المهنيين فحسب، بل على الجمهور أيضاً، الذين لا يحصلون على المعلومات المهمة والمستقلة من خلال الصحف، والتلفزيون، والإذاعة. وحتى شبكة الإنترنت، التي تحظى بالاهتمام المتزايد من الصحافيين والمستخدمين العاديين المنتظمين، أصبحت كذلك عرضةً للتجسس والمراقبة بشكل متزايد.
غالبًا ما يكون الحد من حرية التعبير أداة للسلطة السياسية، إن الولايات المتحدة من البلدان التي تدنت مرتبتها بشكل واضح في مؤشر حرية الصحافة، إذ انخفضت مرتبتها من 41 إلى 49 خلال السنوات الخمس الماضية. لكنها ظلت تحتل المرتبة العشرين في عام 2010، ويعود هذا إلى حد كبير إلى الجهود التي تبذلها الحكومة الأمريكية لتعقب الأشخاص الذين قاموا بتسريب معلومات سياسية حساسة. لكن تم تعليقها إلى حد كبير بسبب الهجمات المباشرة على وسائل الإعلام من قبل الرئيس دونالد ترامب.
وعبر ممارسة الرقابة الذاتية، يقوم الصحافيون بفرض القيود على أفعالهم بأنفسهم. ومن الأمثلة على ذلك التحفظ على التعبير عن الأفكار التي يمكن أن تعتبرها الحكومة حساسة، أو التي قد تضع الصحافيين في مأزق. والتعريف الأوسع للرقابة الذاتية هو أنها تحد من تصرفات الصحافي أو تصريحاته بهدف تجنب الإساءة إلى الآخرين أو غضبهم، ودرءاً للعنف أو التدخل من الحكومة.