مصداقية الإحصاءات

تبدو الإحصاءات واستطلاعات الرأي Gallup polls في البداية وكأنها وسيلة موثوقة وموضوعية لنقل المعلومات. ولعل القول الشائع “أكاذيب، اللعنة على الأكاذيب والإحصاءات”، يوضح كل شيء حول الإحصاءات والمعدلات. وعلى سبيل المثال، عندما تجري إحدى الصحف استفتاءً، وتتلقى إجابات من القراء، وتقوم بنشر النتائج بشكل مثير مثل القول “إرادة الشعب”، فإن هذا هو فعل السلطة والنفوذ الصحافي.

إن صياغة السؤال لها أهمية كبيرة. على سبيل المثال، عندما يُسأل المستطلعون عما إذا كانوا يؤيدون فكرة فرض ضرائب أعلى، عادةً ما يكون الجواب “لا”. ولكن، عندما يسألون عما إذا كان ينبغي الإبقاء على مستوى الرعاية الصحية والخدمات الأخرى حتى باستخدام أموال دافعي الضرائب، يأتي الجواب غالباً “نعم”.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن النتيجة تتأثر أيضاً بمن هو الشخص الذي نوجه السؤال له. وعادةً ما تكون هناك فئات مختلفة من القراء، وهي في أغلب الأحيان ذات طابع سياسي. وبالتالي يجب ألا تستخدم نتائج الاستبيانات التي تقيس وجهة النظر السياسية للقراء لتعميم الاستنتاجات على الجمهور ككل.

وحتى لو كان الاستبيان شموليّاً، فالحقيقة أن الناس لا يستجيبون جميعاً بملء الاستبيانات، ما يقوض موثوقيتها. وتعتبر الأشكال المتنوعة من الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من الإحصاءات بمثابة الشكل الثالث لاستخدام السلطة.

وعلى سبيل المثال، لا تظهر المعدلات averages النطاق الواسع لتشتت النتائج، أو الحدود القصوى/ النقائض. فإذا كان نصف السكان مثلاً يكسبون 10.000 دولار في الشهر، والنصف الآخر 100 دولار في الشهر، فإن متوسط الدخل 5,050 دولاراً في الشهر. وهكذا فإن المتوسط نادراً ما يرسم صورة حقيقية، لذا، ينبغي على الصحافيين البحث عن الوسيط median عند تناول المعلومات الإحصائية. والوسيط هو القيمة التي تمثل الرقم الذي في الوسط عندما يتم وضع النتائج بالترتيب.

ويمكن أيضاً إجراء استطلاعات غالوب بطريقة تمييزية، وذلك لأنها تخلق شعوراً خادعاً بأن بعض الأشياء يمكن أن يتم التأثير عليها، على الرغم من أن هذا ليس صحيحاً. فعلى سبيل المثال، أجرت الصحيفة المسائية الفنلندية IltaSanomat استطلاعاً في تموز 2015، للاستفسار عما إذا كان القيام بتظاهرة يتطلب إذناً، علماً بأن التظاهر يعتبر جزءاً من الحق في التجمع السلمي تكفله الاتفاقات المتعلقة بحقوق الإنسان والدستور الفنلندي. لكن طرح مثل هذا السؤال في استفتاء غالوب العام هو أمر مضلل، حيث إن السؤال يستفسر أساساً عما إذا كان يجب فرض حدود على الحقوق الأساسية للمواطنين. وطرح مثل هذا السؤال يعطي الانطباع أنه يمكن تغيير الدساتير بسرعة ودون الحاجة للعمليات الديمقراطية المطولة.

كما أن بإمكان استطلاعات غالوب إضفاء الشرعية على نفسها، حيث إنه عندما تفيد الأنباء بأن غالبية السكان يعارضون الهجرة مثلاً، فإن التصريح بمثل هذه الآراء بصوت عالٍ يجعلها أكثر قبولاً. وعلى سبيل المثال إذا تم نشر استطلاع للرأي حول شعبية الحزب قبل الانتخابات، فقد يكون لذلك تأثير بالذات في هذه المسألة.

من ناحية نظرية، يطلق على العديد من الظواهر المجتمعية مثل السياسة واقتصاد السوق ما يسمى “المستوى الثاني من النظم الفوضوية”، وهذا يعني أنها معقدة للغاية ولكنها تتفاعل مع التنبؤات الصدارة عنها.

اقرأ المزيد حول:

الإعلام والعلم بين التشابه والاختلاف