الإعلام والعلم بين التشابه والاختلاف

العلم، وخاصة بما يتعلق بالصحة والتاريخ والطبيعة والتكنولوجيا، هو مصدر شائع للمعلومات والمواضيع في الأخبار والصحافة، وهناك الكثير من العوامل المشتركة بينهما، فكلاهما يسعى لنشر معلومات صادقة قدر الإمكان، ويسعيان لتصحيح أخطائهما، كما لا يسمحان بالانتحال والكذب.

مع أن المبادئ بين العمل والصحافة متماثلة، ولكن تختلف بعد الخصائص. ففي الصحافة تفضل معايير الأخبار المواضيع والحالات غير المعروفة وغير المتوقعة أو الغريبة، بعكس العلم الذي يعد بطيئاً، وتؤكد معظم البيانات البحثية حقائق معروفة بالفعل. فكلما كانت نتائج البحث الأكثر فقراً تتناسق مع مفهوم العلوم الحالي للعالم زاد احتمال اعتبار عالم العلوم غير موثوق به، لذلك من المهم وضع النتائج في سياقها الصحيح.

أثرت أزمة منطق الإيرادات في وسائل الإعلام بسبب الرقمنة على قدرة الصحافي على معالجة مواضيع العلوم بطريقة مهنية ومسؤولة، فغالباً ما يتوجه الصحافي إلى مواضيع خارج نطاق عمله، وهذا ما يزيد من العبء عليه ضمن وقت أقل، لاستكشاف الموضوع العلمي والبحث في المقالات الأصلية. في هذه الحالات، يجب على المراسل أن يثق بالخبراء في هذا المجال مثل المجتمع العلمي أو المسؤولين من أصحاب الاختصاص. وهذا هو السبب في أن القدرة على تحديد الخبراء الحقيقيين أمر مهم لموثوقية الأخبار؛ فيجب الأخذ بالاعتبار أن ليس كل من حصل على درجة الدكتوراة مؤهل للتعليق على جميع البحوث، وأن الباحثين هم مجموعة متنوعة في الأهداف والدوافع وعرضة للأخطاء والخداع أحياناً.

في الإعلام، غالباً ما يتم السعي إلى جلب شخصين أو مجموعة لها وجهات نظر متعارضة من أجل السعي إلى حيادية المقالات، وهذا مبرر عند تقديم الحجج في نقاش سياسي موضوعي، ولكن عند معالجة الحقائق والمعلومات العلمية، فهذا النموذج قد يضلل القارئ لأن ليست كل البحوث على نفس الدرجة العلمية حتى ولو اختلفت، وقد يكون المجتمع العلمي موحداً لدعم أحد المواقف، وأن من بين 100 دراسة 99 قالت إن “أ” صحيح، وواحدة فقط قالت إن “أ” خطأ، فيجب اعتبار النتيجة الوحيدة نتيجة على الهامش وليست طرفاً ثانياً في نقاش محايد، فالربط بين نتيجتين متعارضتين في هذا المثال هيكل ليس صادقاً.

ظهرت بعض الاختلافات المضللة في حالة التقارير الإخبارية التي تتناول التغير المناخي على سبيل المثال، فلقد ظل المجتمع العلمي الدولي على مدى عقود على إجماع حول حقيقة التغير المناخي وأنه ناجم عن البشر، ومع ذلك، يتم سماع المتشككين في المسألة وتفرد التغطية لهم باسم الحياد.

كيف نعرف المصادر غير الموثوقة في العلوم من خلال الأسئلة؟

قد تساعد هذه الأسئلة في التعرف على مصدرك غير الموثوق به

  1. هل يتحدث الموقع عن نظريات المؤامرة؟ إن وقوع مزاعم المؤامرة هو مؤشر واضح على أن المؤلف قد يخلط بين الخيال والواقع.
  2. هل يقول المصدر إنه لا يوجد بحث لدعم الادعاء أو رفض الأساليب العلمية بالكامل؟
  3. هل يقدم المصدر نتائج رائعة وثورية؟ النتائج الثورية نادرة في العلوم. إذا كانت المطالبة معجزة للغاية ومدهشة، فإنها في كثير من الأحيان غير صحيحة.
  4. هل يستخدم المصدر الفرد صاحب الكاريزما لتبرير الدعوى بدلاً من الحقائق؟ ركوب تحت اسم الفرد صاحب الكاريزما، المعلم هو سمة شائعة في مصادر لا يمكن الاعتماد عليها. عادة، على الرغم من العنوان الجيد، لا يمكن العثور على خلفية أكاديمية أو علامات أخرى على الخبرة المكتسبة في الحياة الواقعية حول المعلم من مصادر مستقلة أخرى.
  5. هل يستفيد المصدر مالياً من المطالبة؟ هل يبيع الموقع المصدر منتجًا تدعمه المطالبة؟

– هل يمكنك وضع نصائح أخرى؟

كيف يتم عادةً اختيار الخبراء ولماذا؟ ومن هو الذي يتحدث وحول من يدور الحديث؟

وفقاً لإحدى النظريات في مجال علم النفس المعرفي، فإن كل الناس يدركون العالم من حولهم من خلال القوالب النمطية. ولولا هذا، لكان عقل الإنسان مليئاً بشظايا المعرفة، حيث إنه دون هذه القدرة على تنظيم الأشياء تلقائيّاً في قوالب نمطية، سيكون من الصعب ربط الأمور بعضها ببعض وترتيبها حسب الأهمية.

ولعل إحدى نواحي استخدامات السلطة من قبل الصحافيين ووسائل الإعلام قيامهم يوميّاً بوضع جدول أعمال محدد واختيار الكلمات ووجهات النظر التي تتم مناقشة ما يدور في العالم من خلالها. والصحافة لا تعمل في فراغ، بل هي نتاج البيئة الثقافية والاجتماعية. ومن هنا تستمر الصحافة وبسهولة بتكرار نفس الصور النمطية التي تهيمن في المجتمع المحيط. كما أن الأحكام المسبقة والتعصب والصور النمطية التي يحملها الصحافيون كأفراد تؤثر على المحتوى الصحافي.

وعلاوة على ذلك، وعلى غرار الناس الآخرين، فإن اهتمامات الصحافيين وما يقومون بتعلمه متحيز أيضاً. فقد أظهرت البحوث أن الشخص يميل لملاحظة وتعلم الأشياء التي تعزز أفكاره المسبقة عن العالم بسهولة أكبر، وهو ما يسمى تأكيد الانحياز confirmation bias. وأثناء القيام بعملهم، يقتنع الصحافيون بالمعرفة التي تدعم القيم والرؤى التي يحملونها بسهولة أكثر من تلك التي تشكك بها.

وعلى سبيل المثال، عند اختيار الخبراء، توجد هناك علاقات القوة التي أسستها الصحافة. وقد أصبحت علاقات القوة هذه خلال السنوات الأخيرة موضعاً للشك والنقاش، وعلى وجه الخصوص من قِبل الحركات النسائية.

ووفقاً لمشروع رصد وسائل الإعلام العالمية لعام 2010 الذي تقوم به منظمة الرابطة العالمية للاتصال المسيحي WACC، فإن 76% من الأطراف الفاعلة في مجال الأخبار هم من الذكور، و24% فقط من الإناث. وعند البحث في المواضيع التي تناولتها وسائل الإعلام، وتظهر مقابلة مع إناث أو جهات فاعلة أخرى، تمت ملاحظة أنه بالمقارنة بالحديث عن الرجل، فإن من الشائع تصوير النساء كضحايا أو استناداً إلى موقعهن في الأسرة. وكانت مجموعات معينة من النساء، مثل النساء المسنات الفقيرات أو اللاتي ينتمين إلى أقليات عرقية، أقل ظهوراً في وسائل الإعلام. كما أنه غالباً ما يطلب من الصحافيات تقديم تقارير حول المواضيع الخفيفة مثل الأسرة وأسلوب الحياة المتبع وعالم الموضة أو الفنون. وعندما كانت التقارير الصحافية متعلقة بالمواقع القيادية، كانت المرأة حالة استثنائية.

لا يزال الرجال يشغلون المناصب السياسية والمالية الأكثر أهمية، وحتى الصحافيون الذين يريدون تعزيز المساواة بين الجنسين، يجدون صعوبات في العثور على امرأة لتقديم رأيها كخبيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الناس، وهم غالباً في عجلة من أمرهم، يميلون عموماً لاختيار الخبير المعروف أصلاً لوسائل الإعلام. وهذا عادةً ما يتأثر باللاوعي الجماهيري وموروث القيم الشعبي. ومن الخصائص التي تصور الخبرة الصوت العميق وسرعة البديهة والثقة، وأن يكون الشخص في منتصف العمر، وكلها خصائص اعتبرت تقليديّاً ذكورية. فإذا كان سيتم اختيار الخبراء على هذه الأسس دون تفكير نقدي، فإن هذا يعزز النظام المجتمعي الأبوي الذي يهيمن عليه الذكور، أي أن هؤلاء الناس الذين يحصلون على الفرصة للتعبير هم الذين يملكون التأثير الأكبر أصلاً. ونتيجة لذلك، نرى الرجال البيض والسياسيين والاقتصاديين يملأون صفحات الصحف. وبهذه الطريقة، فإن وسائل الإعلام التي ينبغي لها أن تعبر عن الواقع بأمانة، تقوم من جانبها بتأكيد الفجوة بين الجنسين. وهكذا فإن التحيز والقوالب النمطية وغياب التوازن في التقارير الصحافية يرسي علاقات القوة بين الجماعات ويخلق تربة خصبة لنمو المواقف والممارسات القائمة على التمييز.

 

النساء في وسائل الإعلام

تشكل النساء حوالي نصف سكان العالم. ومع ذلك فإن وجودهن في الأخبار على مستوى العالم لا يتجاوز 24٪ فقط.

وعلى سبيل المثال، فقد كان وجود المرأة في التقارير الاقتصادية لا يتجاوز 2٪ عام 1995، في حين كانت نسبة وجودها في الأخبار 14٪، وارتفعت إلى 16٪ فقط في عام 2010 وكانت هذه الإحصائية آخر إحصائية متوفرة حول الموضوع. وقد سجل وجود المرأة في المسائل المتعلقة بالسياسة والحكومة ما نسبته 10٪ فقط.

أما في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تشكل النساء 49.2٪ من مجموع السكان، فإن مشاركتهن كمتحدثات في نشرات الأخبار التي بثها تلفزيون فلسطين خلال الفترة من 14-27 أيار عام 2010 كانت 15.5٪ فقط.

وبالإضافة إلى هذه المؤشرات الكمية، فهناك جوانب أخرى ذات صلة بالمحتوى وطبيعة التغطية والأثر الاجتماعي الناتج عن ذلك. إلا أن قياس هذا الأثر يحتاج إلى نظرة نقدية فاحصة لطبيعة المعالجة التحريرية لمحتوى وسائل الإعلام. وفي هذا المجال، يمكن رصد الملامح التالية: لا تزال الصور النمطية للمرأة التي تقصر دورها على الإنجاب ورعاية الأطفال قائمة؛ وكذلك استغلال صورة المرأة كضحية من أجل كسب التعاطف السياسي؛ واستخدام جسد المرأة للترويج للسلع الاستهلاكية؛ وأحياناً التعامل مع المرأة باستخفاف؛ وتناول حقوق المرأة كما لو أنها منحة وليست حقوقاً أو التعامل مع النجاحات التي تحرزها المرأة بالدهشة والاستغراب والشك والاستنكار.

للنقاش:

لماذا تعتقد أن هناك عدداً قليلاً جدّاً من النساء اللواتي يعملن كصحافيات في فلسطين؟

لماذا ينبغي أن يكون هناك وجود النساء أكبر في مهنة الصحافة؟ وهل هذا مهم حقّاً؟

هل تعتقد أن هناك فارقاً بين عمل الصحافيين الذكور والإناث؟

اقرأ المزيد حول:

الأخلاقيات والتنظيم الذاتي في الصحافة

إضاءة: هنيئاً لكم على مجمع الذكور الخالص!

متى كانت آخر مرة نظرت حولك في غرفة اجتماع أو محاضرات وتساءلت أين هن النساء؟ تعلق الباحثة الفنلندية المتخصصة في سياسات الأسلحة النووية التي تحمل درجة الدكتوراة في العلوم الاجتماعية سارة سارما Saara Särmä على الموضوع بشكلٍ ساخر على مدونة البهلوانات الفكاهية تمبلر Tumblr-blog، التي تلقى قدراً كبيراً من الاهتمام الدولي.

وقد أنشأت سارما المدونة عام 2015، وتقوم بتجميع صور لهيئات واجتماعات منعقدة من الذكور فقط، وتطلق عليها “فرق الرجال” “manels”  وهي اجتماعات لفرق خبراء، جميع المشاركين فيها هم من الذكور، سواء كان الموضوع هو السياسة، أو مسائل متعلقة بالتكنولوجيا أو النوع الاجتماعي. أما عنوان الموقع الساخر، فهو: هنيئاً لكم، لديكم فريق جميعهم من الذكور! تهانينا مرة أخرى؛ لا توجد أي مشاركة نسائية. وتظهر الصور الفوتوغرافية صورة رئيسية لدافيد هاسلهوف Hasslehoff David يقوم برفع الإبهام في إشارة تدل على الإعجاب والتأييد. وتنشر سارما كذلك صوراً لاجتماعات أو هيئات لرجال ذوي بشرة بيضاء فقط.

وتعود شعبية المدونة إلى حقيقة أنها قادرة على التعامل مع قضية حساسة وبالغة الأهمية بطريقة فكاهية. إن المناقشات حسب وجهة نظر الجمهور ما زالت تجري أساساً من قِبل الرجال.

ولكن، هل بإمكان المدونة أن تحدث أثراً على الظاهرة المستترة من خلال السخرية والفكاهة؟

http://allmalepanels.tumblr.com/