إن التلاعب من خلال برمجيات معالجة الصور ليس بأي حال من الأحوال العامل الوحيد المخالف لسلطة البرهان بالأدلة التي يمكن أن تتعرض لها الصور. إذ يمكن أيضاً معالجة الصور بالإضاءة، وواجهة العرض، والتأطير وأساليب التأطير غير التقليدية لموضوع أو جوهر الصورة. وتبدو الصورة، وهي بمعزل عن الحالة التي تم التقاطها فيها، وكأنها تمثل الواقع كاملاً، ولكن الأمور تكون عادةً مختلفة خارج إطار الصورة.
ويمكن ذكر العديد من الأمثلة هنا، التي تمتلئ بها الصحف أيضاً. وعلى سبيل المثال، فإن الإضاءة التي تخلق تبايناً حادّاً قد تعطي انطباعاً بأجواء التهديد. أما تكرار الصور غير التمثيلية للسياسيين، فيكون لها تأثير على الصورة العامة للشخص. ويمكن ضغط الحضور القليل العدد لحفلة موسيقية في إطار متراص ضيق بصورة تخلق الانطباع بأن الساحة مليئة بالمشجعين المتحمسين.
وقد أصبحت عملية تكديس الجماهير في الصور سمة مستخدمة بشكل شائع في وسائل الإعلام مؤخراً، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب إثبات ذلك فيما بعد. وعلى سبيل المثال، غالباً ما تستخدم هذه الطريقة في تصوير أعمال الشغب والمظاهرات. وحتى لو كانت المظاهرة محلية جدّاً وتجري على مسافة خمسين متراً من مكان ما، حيث يقوم الناس بأعمالهم التجارية اليومية كما جرت العادة، إلا أن الصور قد تحمل الافتراض بوجود حالة طوارئ تشمل المدينة بأكملها. هذه الأنواع من خيارات التأطير مقبولة، إذ إن الهدف من الصورة الإخبارية هو تصوير موضوع الخبر وليس المدينة بأكملها. ولكنه في نفس الوقت يثير التساؤل عن الخيارات الواعية للمصور التي قد تؤثر على تفسير عرض الحدث. فهل يختار المصور استخدام العدسات المقرّبة للتركيز على مثيري الشغب أم يختار عدسة ذات البعد البؤري القصير Wide Angle لتُظهر المنطقة المحيطة ونطاق أعمال الشغب؟
مع التأطير، يمكن لموضوع الصورة أن يصبح بمعزل عن البيئة المحيطة به. ولعل الصورة التي التقطها المصور الصحافي كيفن كارتر Kevin Carter في عام 1994 لطفل في مجاعة السودان يطارده نسر هي من أشهر الأمثلة لتأطير الصورة.
وقد تسببت تلك الصورة التي فازت بجائزة بوليتزر Pulitzer Prize بضجة كبيرة حول المسؤوليات الأخلاقية للمصور. وقد تمت قراءة الصورة كحقيقة حول الوضع، وتساءل المواطنون الغاضبون: لماذا لم يقدم المصور المساعدة للطفل، بل تصرف كنسر آخر ولكن معه كاميرا هذه المرة!
ويقال إن الصورة كانت نتاج عملية تأطير دقيقة. وكان النسر في الواقع بعيداً عن الطفل بحوالي عشرة أمتار، وكانت أمه تسير أمامه. كما كان هناك الكثير من الناس الآخرين في المكان. ومثل هذا النوع من الأشياء لا يتم الإعلان عنه عادةً بصورة واحدة فقط، لمصلحة أو ضرر المصور.
وقد أخذ هذا الحدث منحىً مأساويّاً عندما أقدم كارتر على الانتحار عام 1995، وهو الذي كان قد شهد الأهوال لكنه صُدم من الضجة التي تسببت فيها الصورة.
ولعله من المفيد العودة إلى الصورة عند التفكير في مهمة المصور كصحافي. هل فعلاً من الصحيح أنه لم يكن ينبغي من الأساس التقاط هذه الصورة التي هزت العالم، حتى تكون يد المصور طليقة لمساعدة أحد الأطفال؟
ويزداد هذا الأمر تأثيراً مع حقيقة أن إعادة تدوير وتكرار الصور نقلاً من الأخبار الدولية يشكل للجمهور تمثيلاً للواقع بأكمله. وهذا بحد ذاته يشكل خطراً في مواجهة الأخبار الأجنبية أو الأخبار التي تضمن مواضيع بعيدة عن الحياة اليومية للمشاهد.
وعلى سبيل المثال، إذا واجهنا مراراً في وسائل الإعلام صوراً تظهر مجموعات عصابات مسلحة أفريقية تحتل القرى ببنادق كلاشنيكوف، تتكون لدينا صورة للقارة الأفريقية، وكأنها في حالة تشبه الحرب. ولمثل هذه الأفكار معانٍ حقيقية، فيمكنها مثلاً زيادة العنصرية وتخفيف الرغبة في المساعدة. وعلى أقل تقدير، فإنها تضيِق نظرة الناس للعالم.