إذاً، أين هي الحدود بين إجراء تعديلات من شأنها تعزيز الصورة وبين التلاعب بالصور بهدف تشويه الحقيقة؟ لا توجد إجابة واضحة على ذلك. وتستخدم أساليب مختلفة من معالجة الصور في مختلف مجالات التصوير، حتى في أقسام مختلفة من نفس الورقة. إن أخلاقيات الصحافة المصورة تؤثر على المبادئ التوجيهية: ما مدى واقعية وحقيقة صورة الواقع التي ستُعرض؟
وتنطبق أكثر المتطلبات دقة للتحقق من أصالة كافة أنواع الصور على الصورة الإخبارية أيضاً. وعمليّاً، لا يسمح إلا بالحد الأدنى من التحسينات التقنية هنا: أي لا يجوز إضافة أو إزالة أي شيء من الصورة.
ومبدئيّاً، تنظم المبادئ التوجيهية للصحافيين استخدام الصور، بالإضافة إلى أن لدى بعض وسائل الإعلام معاييرها الخاصة. ومع ذلك، ليست هناك سوى إشارات صغيرة حول معالجة الصور في كثير من المبادئ التوجيهية، هذا إن وجدت أصلاً. ومن أمثلة المبادئ التوجيهية في بلدان الشمال الأوروبي، تنص المبادئ التوجيهية للصحافيين الفنلنديين على أنه “لا يجوز استخدام الصور أو الأصوات بطريقة مضللة”. وتنص المبادئ السويدية على أن “الصور ذات الطابع الوثائقي يجب أن تكون تحت إشراف. ويجب على المرء أن يهتم بأن تكون الصور صادقة، وأنها لا تستخدم بطريقة مضللة”، وأن “تجميع وخلط الصور أو غير هذا من أساليب المعالجة الرقمية للصور، يجب ألا تستخدم بطريقة تمكنها من تضليل القارئ. وفي حالة الجمع بين صور في صورة واحدة، أو في حالة إجراء رتوش على الصورة، فيجب أن يُذكر أنه تمت معالجة الصورة”. وبالنسبة للمبادئ التوجيهية النرويجية، فهي مماثلة تقريباً للمبادئ السويدية. أما المبادئ الأيسلندية والدنماركية، فهي لا تناقش معالجة الصور على الإطلاق.
تسبب عدنان الحج، وهو مصور مستقل يعمل مع وكالة رويترز، بالضجة التي أثيرت في عام 2006، عندما ضُبط بإضافة سحابة دخان على الصور التي تناولت التفجيرات التي وقعت لبنان. ونتيجة للجدل الذي أثارته المسألة، قامت الوكالة بطرد المصور. كما وضعت في عام 2007، أي بعد ما يقارب ستة أشهر من الحادثة، حزمة متكاملة من المبادئ التوجيهية لمصوري الوكالة حول معالجة الصور.
وترتكز إرشادات رويترز قبل كل شيء إلى الفكرة القائلة إن التعديلات المسموح بها هي فقط تلك التغيرات الطفيفة في الحجم والإطار والتركيز. ولا يسمح بإضافة أي شيء أو إزالة أي شيء من الصور الفوتوغرافية. كما أن تعديلات اللون البالغة التأثير، وتعديلات الإضاءة بزيادتها أو تغشيتها، ممنوعة.
وعلى سبيل المثال، تحظر وكالة رويترز:
– إضافة أو إزالة أي عناصر.
– استخدام أدوات الاستنساخ أو التصحيح إلا من أجل إزالة عيوب صغيرة.
– استخدام بخاخ أو فرشاة الرسم.
– التحديد والقص إلا لجزءٍ من الصورة.
– التفتيح أو التعتيم المفرط.
– تعديل الألوان بشكلٍ مبالغ فيه.
– استخدام أدوات التعديل الأوتوماتيكية على الفوتوشوب.
– التغشية.
– استخدام الممحاة.
– الحجب السريع Quick masks لأجزاءٍ مختارة، مثل عمق المجال.
– استخدام الضوابط التلقائية للكاميرا، وأساليب إضافة المؤثرات ولو بشكل تقني.
إن عملية معالجة الصور في المجلات مرنة أكثر، حيث إن العقلية السائدة غالباً في هذا الإطار أن الأمور التي لا تنتمي بشكل دائم لشخص ما، مثل المشاكل الجلدية، يمكن إزالتها في الصورة. ويتم أحياناً تحسين صور الأشخاص بشكل ملحوظ. فقد يتم إظهار الشخص أكثر نحافةً مثلاً، ويمكن أيضاً إزالة التجاعيد ومشاكل الجلد والدهون المتراكمة تحت الجلد (السيلوليت) وأوردة الساقين (الدوالي) و”العيوب” الأخرى بشكلٍ جذري.
أما الحد الأقصى في معالجة الصور، فهو الذي يتم على الصور الإعلانية، الذي لا يلتزم عمليّاً بالاتفاقيات والمبادئ الصحافية. ولكن من وقتٍ لآخر، تثار مناقشات حامية حول عدم واقعية الصور التي تنتجها الصور الإعلانية، وحول القواعد الجمالية التي تروج لها أو الناشئة عنها.
ومع ذلك، فإن التقنيات الجديدة لمعالجة الصور ليست شيئاً سيئاً، ولكنها أدوات مفيدة من شأنها أن تجعل الإنتاج المرئي يتم بشكل أسرع. وكقاعدة عامة، يمكن القول إنه إذا تمت معالجة الصور لشيء آخر خارج نطاق تحسين القدرات الخاصة بالصورة لتعكس الواقع، فإنه يمكن اعتبار المعالجة محاولة لتضليل المشاهد.
إن معالجة الصور لا تتم بشكل آلي حتى الآن، إذ إن شخصاً ما في مكتب التحرير يتخذ القرار بإجراء المعالجة للصورة أو لا. ولا بد إذاً من النظر في عمليات صنع القرار هذه بين الحين والآخر.
وقد أحدثت وسائل الإعلام الاجتماعي تغييرات أيضاً في مجال عمل الصحافة المصورة. وكان التغيير الأكبر في حقيقة أن مختلف أنواع الكاميرات الخفيفة ورخيصة الثمن أصبحت أكثر انتشاراً.
ويتعزز موقف وسائل الإعلام الاجتماعي كسلطة خامسة، حيث يكون مشهد حادث ما محاطاً من جميع الجهات بفيضٍ من كاميرات الهاتف المحمول، التي تشكل مجتمعة سلطة البرهان بالأدلة power of evidence، والتي تتألف من كمٍّ من الصور الجماعية التي تشير إلى كل الاتجاهات. وقد تعزز هذه الصور الفوتوغرافية من المواطنين أو قد تشكك في مصداقية الصور التي يلتقطها المصورون المحترفون.