مبادئ تحرير الفيديو

التحرير هو عملية إنتاج المعنى النهائي من المادة المصوّرة من خلال: 1) اختيار اللقطات التي سيتم استخدامها. 2) التغيير في الطول والسرعة والرؤية البصرية (مثل الألوان ونسبة الارتفاع) للقطات. 3) تنظيم المادة في ترتيب معين ودمج اللقطات المصورة بلقطات أخرى. 4) دمج اللقطات المصورة مع طبقات من الصوت والنص والرسومات المتحركة.. إلخ. 

والخلاصة أن التحرير يشمل كل القطع، ترك بعض المواد المصورة غير مستخدمة، والدمج أي جمع موّاد مصورة ذات مغزى والتي لا تملك بحد ذاتها نفس المعنى ككل. وعملياً التحرير يوازي التصوير واقتناء المعلومات بالأهمية. ومع ذلك، فإن مرحلة التخطيط للتحرير، وهي كيف سيتم جمع المواد المصورة ولماذا، يجب أن تكون حاضرة قبل بدء الكاميرا بالتصوير. 

وعلى مدار تاريخ صناعة الأفلام، اثنتان من عادات التحرير المتميزة تطورتا وهما: التحرير المتواصل أو المتتابع والمونتاج (التوليف).

التحرير المتواصل أو المتتابع continuity edit  هو أسلوب تحرير متبع في السرد الروائي للتلفزيون والأفلام. ويهدف إلى الحفاظ على التواصل الزمني في الفيلم دون انقطاع قدر الإمكان. وببساطة، تبدو النتيجة المتوخاة إظهار ما يحدث، حيث يمكن للمشاهد أن يركز بهدوء على المحتوى، بينما يمر أمامه شريط الأحداث بشكل سلس عبر المقاطع المختلفة.

ولعل التحرير المتواصل هو أكثر أنماط التحرير استخداماً، وعلى وجه الخصوص في هوليوود والسينما التجارية في الغرب. كما يشار إليه أحياناً بالتحرير الهوليوودي.

وينبغي دائماً أن تختلف مقاطع اللقطات المتتابعة بعضها عن بعض بما فيه الكفاية من حيث الحجم أو زاوية الكاميرا. إذ عندما يبقى الهدف هو نفسه، لا يكفي التحرك إلى الخطوة التالية أو السابقة على نفس المقياس للقطة لأنه وببساطة ستهتز الصورة. ومن أجل تعديل الاهتزاز، ينبغي القيام بحركتين أو ثلاث باتجاه التأطير الأضيق أو الأوسع. وينطبق هذا المبدأ نفسه على تعديل زاوية الكاميرا بضع درجات فقط، ويمكن تلخيص هذا المبدأ في التحرير المتواصل باسم قاعدة الثلاثين درجة، وهي على النحو التالي: لا ينبغي في التحرير جمع لقطتين تفصل بينهما أقل من 30 درجة من منظور الكاميرا.

كما أنه من غير المفيد القطع من صورة واسعة جدّاً إلى صورة مقربة جداً أو العكس، لأن هذا يربك المشاهد. وفي التحرير المتتابع، يجب أن تتبع الحركة بحركة والصورة الثابتة بأخرى ثابتة. وقد يختلف نوع الحركة، فمن الشائع القطع/ القص من التصوير الرأسي إلى الرأسي أو من الأفقي إلى الأفقي وما إلى ذلك. والطريقة الجيدة عند التصوير الأفقي أو الرأسي مثلاً أن نبدأ بتحريك الكاميرا من نقطة ثابتة واحدة إلى التالية، وإبقاؤها هناك لبضع ثوانٍ ثابتة في نفس الموقع ثم إيقاف التسجيل. وهذا يتيح إمكانية أكبر لاستخدام هذه اللقطة، حيث يمكن أن تدمج مع الصور الثابتة لاحقاً في مرحلة التحرير.

لكن يستحسن أن نأخذ في الاعتبار، أنه ينبغي استكمال المسارات trajectories في السرد. ويمكن عبر تقنية المطابقة Match on action أثناء التحرير الحفاظ على الاستمرارية الزمنية عند وجود الحركة أو التغيير داخل فقرة ما. ويعني أسلوب التحرير هذا أنه عندما يحدث نشاط قبل القطع/ القص، تتم مطابقته مع اللقطة التي تلي القطع مباشرة.

وعلى سبيل المثال، إذا كان شخص يرفع فنجاناً من القهوة ليأخذ رشفة في الصورة الأولى، يتم القطع وفقاً لتقنية المطابقة في منتصف حركة اليد أقل أو أكثر بقليل عند نفس النقطة من المسار ولكن بحجم مختلف للقطة أو من زاوية أخرى للكاميرا. لكن إذا كان الشخص يقوم برفع الكأس في الصورة الأولى، فلا ينبغي أن يكون الاقتطاع مثلاً لصورة الكأس مرة أخرى على الطاولة، الأمر الذي يترك المهمة غير منتهية. كما سيحدث هذا قفزة في الصورة، وهو ما يهدف التحرير المتتابع إلى تجنبه.

وعند تغيير موقع الكاميرا، من المهم الأخذ بعين الاعتبار ما يسمى المحور axis، إذ يمتد هذا الخط الوهمي بين نقطتين مهمتين تقعان على مقربة من الكاميرا. وعندما تؤخذ كل اللقطات في مشهد معين من جانب واحد من هذا المحور، يبقى اتجاه نظرات الناس في المشهد وتحركات الشيء على نفس النسق. أما إذا تم إظهار الحركة فجأة من الجانب المعاكس للمحور، فسيبدو أن الشيء يرتحل في اتجاه معاكس مما لو كانت اللقطة قد أخذت من الجانب الآخر للمحور.

وإذا قام شخص بعبور المحور، ينبغي أن يتم إظهار هذا العبور للمشاهد، وإلا، فسيكون من السهل أن يختلط الأمر على المشاهد حول اتجاه اللقطة، ما يؤدي إلى نتيجة نهائية غير منطقية.

وإن لم تكن اللقطات قد أخذت بحسب التسلسل الزمني، فيجب أن تؤخذ مسألة التواصل وتتابع اللقطات والمشاهد بعين الاعتبار. ومن المفيد أن يتواجد شخص في موقع التصوير تكون مهمته أخذ ملاحظات حول التفاصيل المتعلقة بكل مشهد، مثل مواقع الأشياء ككاسات المياه والنظارات وملابس الأشخاص الذين يؤدون الأدوار، وذلك حتى يحافظ على التناسق في مجمل العمل. وعادة ما تكون هذه المهمة منوطة بمشرف السيناريو script supervisor.

وإذا حصل انقطاع في التحرير المتتابع عند نقطة محددة، سيحدث شرخ في السرد الروائي، الذي من شأنه أن يلفت انتباه المشاهد إلى شكل القصة. وعندما يتم هذا عن قصد، يمكن أن يكون فعالاً جدّاً.

المونتاج السينمائي montage (التوليف) هو نظرية تحرير وضعها الروسي سيرجي إيزنشتاين Sergei Eisenstein ويتكون من سلسلة سريعة من الصور أو اللقطات، التي تخلق بتأثيرها المشترك معنى وتسلسل الأحداث في الفيلم. المونتاج هو بمثابة الكولاج السينمائي (فن القص واللصق) وفكرته الرئيسية هي جمع صورتين أو أكثر من خلال وسائل التحرير لخلق معنى لم يوجد في أي من الصور وحدها. 

وتوضح التجارب السينمائية لليف كوليشوف المعاصر للمخرج آيزنشتاين هذا الأمر، إذ قام بتجارب بحثية حول الطريقة التي يستخلص الناس بها القصص وكيف يشكلون الكل من مجموع اللقطات الجزئية المتتالية التي يشاهدونها على الشاشة الفضية. وعلى سبيل المثال، إن تفسير نفس التعبيرات على الوجه تختلف عندما يتبعها مشهد طبق من الطعام، أو طفل يرقد في نعش أو ممثلة.

وبالإضافة لليف كوليشوف Kuleshov، وآيزنشتاين، فإن نظرية المونتاج السينمائي قد تطورت من قبل دزيجا فيرتوف Dziga Vertov، وإسفير شوباند Esfir Shub، وفسيفولد بودوفكين Vsevolod    Pudovkin بشكل بارز في فترة الاتحاد السوفيتي ما بين 1920 و1930. وتستخدم تقنيات المونتاج على نطاق واسع في الفن السينمائي والفيديو، وكذلك في أشرطة الفيديو الموسيقية والإعلانات التجارية.

 

اقرأ المزيد حول:

مبادئ التعبير باستخدام الفيديو