تنطبق مبادئ حرية الكلام والتعبير على كل من الصحافة المكتوبة والمرئية. وتعتبر السخرية السياسية، التي يمكن تصويرها أيضاً من خلال الرسوم التوضيحية، شكلاً من الأشكال العريقة في النقد السياسي.
وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة الكثير من الخلافات ذات الصلة بما يمكن للمرء أن يصوره من خلال رسوم إيضاحية أو يجعله موضع سخرية باسم حرية التعبير، وأين هي حدود الممارسات الجيدة في هذا المجال.
لقد بدأ النزاع المتعلق برسوم الكرتون حول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 2005 عندما نشرت كبرى صحف الدنمارك يولاند بوستن Jyllands-Postenاثني عشر رسماً كاريكاتوريّاً تصور النبي محمد. وكان هدف الصحيفة في حينه إثارة النقاش العام حول حرية التعبير واختبار ما إذا كانت قد تغيرت مفاهيم وحدود حرية التعبير في الدنمارك منذ زيادة أعداد المسلمين الذين هاجروا إليها.
وأثارت الرسومات غضب الكثير من المسلمين في الدنمارك وفي أماكن أخرى في العالم، حيث إن نشر صور أو رسوم تمثل النبي محمد صلى الله عليه وسلم غير مقبول في التقاليد الإسلامية. وهكذا اعتبرت الرسوم التي نشرها رسام الكاريكاتير كورت فيسترغاردKurt Westergaard مسيئة بشكل خاص، لأنه صور النبي محمداً صلى الله عليه وسلم يضع قنبلة في عمامة الرأس التي يرتديها، رابطاً بهذا الرسم الإيضاحي بين الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم والإرهاب.
وتضمنت ردود الفعل على رسوم الكاريكاتير وما أثارته من جدل، عمليات مقاطعة للمنتجات الدنماركية والتظاهرات حول العالم، واتخذت بعض ردود الفعل هذه طابعاً عنيفاً، كما قامت بعض الدول الإسلامية باستدعاء سفرائها من الدنمارك.
واستجابت الجهات الفاعلة في العالم الغربي لرد فعل العالم الإسلامي بإعادة نشر الرسوم الكاريكاتيرية مثار الجدل في العديد من وسائل الإعلام في مختلف البلدان، من أجل حرية التعبير، كما أن منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية دعمت عملية إعادة نشر الرسوم.
وفي 7 كانون الثاني 2015، تعرضت صحيفة تشارلي إبدو Charlie Hebdo لهجوم إرهابي، حين اعتدى مسلحون على مكتب تحرير الصحيفة الفرنسية الهزلية في باريس، وقتل المهاجمون المسلحون بأسلحة رشاشة اثني عشر شخصاً.
إن تشارلي إبدو صحيفة أسبوعية ساخرة، تصدر في باريس. وتتناول مواضيعها رسوم الكرتون والتقارير والمهاترات والنكات. والصحيفة معروفة برسومها المثيرة للجدل من النواحي السياسية، التي تهدف إلى استفزاز الناس. وقد نشرت الصحيفة رسوم الكاريكاتير لجميع الأديان الرئيسية، وكذلك لشخصيات سياسية معروفة من اليسار إلى أقصى اليمين المتطرف. وحتى في فرنسا نفسها، يعتبر الكثيرون تشارلي إبدو صحيفة مبتذلة وتفتقد للذوق.
وقبل الهجوم الذي وقع عام 2015، أثارت الصحيفة الجدل عندما قامت بتغطية النزاع حول رسوم الكرتون التي تناولت النبي محمد صلى الله عليه وسلم . وعبرت الصحيفة عن دعمها ليولاند بوستن من خلال نشرها سلسلة من رسوم الكرتون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بما فيها صور عارية. وفي السنة التالية، تم اختراق موقع الصحيفة على الإنترنت.
وعلى إثر هذا الاعتداء، أعرب فنانو الكاريكاتير والصحافيون في أنحاء العالم عن تأييدهم لحرية التعبير. وفي وسائل الإعلام الاجتماعية، تجلى هذا الدعم على نطاق أوسع تحت شعار “أنا تشارلي”، والهاشتاغ المصاحب له.
كما ونُظمت تظاهرات دعم حول العالم، لعل أكبرها تلك التي جرت في ساحة الجمهورية وسط باريس [للتنديد بالاعتداء]، حيث تجمع ما يزيد على مليون ونصف المليون شخص، بمشاركة عدد من رؤساء الدول، مثل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيس الوزراء الفنلندي ألكسندر ستاب، ورئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ووزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، ورئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون.
للنقاش:
هل تعتقد أن ارد فعل العالم الإسلامي لهذه النزاعات كانت مفيدة أم فوضوية ديماغوجية، ولماذا؟هل تعتقد أنه ينبغي أن تكون هناك بعض القيود على حرية التعبير عند التعامل مع القضايا الحساسة مثل الدين، ولماذا؟