المبادئ الأخلاقية للصحافة المصورة

الصورة الحائزة على جائزة بوليتزر للمصور الصحفي كيفين كارتر والتي صورت مجاعة العام 1993 في السودان

 تستخدم أساليب مختلفة من معالجة الصور في مختلف مجالات التصوير، لكن ما هي الحدود بين إجراء تعديلات من شأنها تعزيز الصورة، وهو أمر مقبول، وبين التلاعب بالصور بهدف تشويه الحقيقة؟

عمليّاً، لا يسمح إلا بالحد الأدنى من التحسينات التقنية هنا: أي لا يجوز إضافة أو إزالة أي شيء من الصورة.

ومبدئيّاً، تنظم المبادئ التوجيهية للصحافيين استخدام الصور، بالإضافة إلى أن لدى بعض وسائل الإعلام معاييرها الخاصة. ومع ذلك، ليست هناك سوى إشارات صغيرة حول معالجة الصور في كثير من المبادئ التوجيهية. ومن أمثلة المبادئ التوجيهية في بلدان الشمال الأوروبي، تنص المبادئ التوجيهية للصحافيين الفنلنديين على أنه “لا يجوز استخدام الصور أو الأصوات بطريقة مضللة”. وتنص المبادئ السويدية على أن “الصور ذات الطابع الوثائقي يجب أن تكون تحت إشراف. ويجب على المرء أن يهتم بأن تكون الصور صادقة، وأنها لا تستخدم بطريقة مضللة”، وأن “تجميع وخلط الصور أو غير هذا من أساليب المعالجة الرقمية للصور، يجب ألا تستخدم بطريقة تمكنها من تضليل القارئ. وفي حالة الجمع بين صور في صورة واحدة، أو في حالة إجراء رتوش على الصورة، فيجب أن يُذكر أنه تمت معالجة الصورة”. وبالنسبة للمبادئ التوجيهية النرويجية، فهي مماثلة تقريباً للمبادئ السويدية. أما المبادئ الآيسلندية والدنماركية، فهي لا تناقش معالجة الصور على الإطلاق.

تسبب عدنان الحج، وهو مصور مستقل يعمل مع وكالة رويترز، بالضجة التي أثيرت في عام 2006، عندما ضُبط بإضافة سحابة دخان على الصور التي تناولت التفجيرات التي وقعت لبنان. ونتيجة للجدل الذي أثارته المسألة، قامت الوكالة بطرد المصور. كما وضعت في عام 2007، أي بعد ما يقارب ستة أشهر من الحادثة، حزمة متكاملة من المبادئ التوجيهية لمصوري الوكالة حول معالجة الصور.

وترتكز إرشادات رويترز قبل كل شيء إلى الفكرة القائلة إن التعديلات المسموح بها هي فقط تلك التغيرات الطفيفة في الحجم والإطار والتركيز.

 تحظر وكالة رويترز:

  • إضافة أو إزالة أي عناصر.
  • استخدام أدوات الاستنساخ أو التصحيح إلا من أجل إزالة عيوب صغيرة.
  • استخدام بخاخ أو فرشاة الرسم.
  • التحديد والقص إلا لجزءٍ من الصورة.
  • التفتيح أو التعتيم المفرط.
  • تعديل الألوان بشكلٍ مبالغ فيه.
  • استخدام أدوات التعديل الأوتوماتيكية على الفوتوشوب.
  • التغشية.
  • استخدام الممحاة.
  • الحجب السريع Quick masksلأجزاءٍ مختارة، مثل عمق المجال.
  • استخدام الضوابط التلقائية للكاميرا، وأساليب إضافة المؤثرات ولو بشكل تقني.

إن عملية معالجة الصور في المجلات مرنة أكثر، حيث إن العقلية السائدة غالباً في هذا الإطار أن الأمور التي لا تنتمي بشكل دائم لشخص ما، مثل المشاكل الجلدية، يمكن إزالتها في الصورة. ويتم أحياناً تحسين صور الأشخاص بشكل ملحوظ. فقد يتم إظهار الشخص أكثر نحافةً مثلاً، ويمكن أيضاً إزالة التجاعيد ومشاكل الجلد والدهون المتراكمة تحت الجلد (السيلوليت) وأوردة الساقين (الدوالي) والعيوب الأخرى بشكلٍ جذري.

أما الحد الأقصى في معالجة الصور، فهو الذي يتم على الصور الإعلانية، والذي لا يلتزم عمليّاً بالإتفاقيات والمبادئ الصحافية. ولكن من وقتٍ لآخر، تثار مناقشات حامية حول عدم واقعية الصور التي تنتجها الصور الإعلانية، وحول القواعد الجمالية التي تروج لها أو الناشئة عنها.

ومع ذلك، فإن التقنيات الجديدة لمعالجة الصور ليست شيئاً سيئاً، فهي أدوات مفيدة من شأنها أن تجعل الإنتاج المرئي يتم بشكل أسرع. وكقاعدة عامة، يمكن القول إنه إذا تمت معالجة الصور لشيء آخر خارج نطاق تحسين القدرات الخاصة بالصورة لتعكس الواقع، فإنه يمكن اعتبار المعالجة محاولة لتضليل المشاهد.

وقد أحدثت وسائل الإعلام الاجتماعي تغييرات أيضاً في مجال عمل الصحافة المصورة. وكان التغيير الأكبر في حقيقة أن مختلف أنواع الكاميرات الخفيفة ورخيصة الثمن أصبحت أكثر انتشاراً.

ويتعزز موقف وسائل الإعلام الاجتماعي كسلطة خامسة، حيث يكون مشهد حادث ما محاطاً من جميع الجهات بفيضٍ من كاميرات الهاتف المحمول، وقد تعزز هذه الصور الفوتوغرافية من المواطنين أو قد تشكك في مصداقية الصور التي يلتقطها المصورون المحترفون.

وعلاوةً على هذا، من إيجابيات تسريع وتيرة إنتاج الأخبار، أنه قد لا يكون هناك فرصة للتلاعب بالصور والذي يستغرق عادةً وقتاً طويلاً. كذلك، فإن حقيقة انتشار تصوير الفيديو بشكل أكبر يجعل التلاعب بالصحافة البصرية أكثر صعوبة، حيث إنه في حين تتم إزالة العيوب في التصوير الفوتوغرافي الثابت بشكل آلي وتلقائي تقريباً، لا تزال عمليات معالجة وتحرير الفيديو صعبة وتستغرق وقتاً طويلاً.

إن التلاعب من خلال برمجيات معالجة الصور ليس العامل الوحيد الذي يمكن أن تتعرض له الصور. إذ يمكن أيضاً معالجة الصور بالإضاءة، وواجهة العرض، والتأطير وأساليب التأطير غير التقليدية لموضوع أو جوهر الصورة. وتبدو الصورة، وهي بمعزل عن الحالة التي تم التقاطها فيها، وكأنها تمثل الواقع كاملاً، ولكن الأمور تكون عادةً مختلفة خارج إطار الصورة.

 فعلى سبيل المثال، فإن الإضاءة التي تخلق تبايناً حادّاً قد تعطي انطباعاً بأجواء التهديد. أما تكرار الصور غير التمثيلية للسياسيين يكون لها تأثير على الصورة العامة للشخص. ويمكن ضغط الحضور القليل العدد لحفلة موسيقية في إطار متراص ضيق بصورة تخلق الانطباع بأن الساحة مليئة بالمشجعين المتحمسين.

وقد أصبحت عملية تكديس الجماهير في الصور سمة مستخدمة بشكل شائع في وسائل الإعلام مؤخراً، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب إثبات ذلك فيما بعد. وعلى سبيل المثال، غالباً ما تستخدم هذه الطريقة في تصوير أعمال الشغب والمظاهرات. وحتى لو كانت المظاهرة محلية جدّاً وتجري على مسافة خمسين متراً من مكان ما، حيث يقوم الناس بأعمالهم التجارية اليومية كما جرت العادة، إلا أن الصور قد تحمل الافتراض بوجود حالة طوارئ تشمل المدينة بأكملها.

ويزداد هذا الأمر تأثيراً مع حقيقة أن إعادة تدوير وتكرار الصور نقلاً من الأخبار الدولية يشكل للجمهور تمثيلاً للواقع بأكمله. وعلى سبيل المثال، إذا واجهنا مراراً في وسائل الإعلام صوراً تظهر مجموعات عصابات مسلحة أفريقية تحتل القرى ببنادق كلاشنيكوف، تتكون لدينا صورة للقارة الأفريقية، وكأنها في حالة تشبه الحرب. ولمثل هذه الأفكار معانٍ حقيقية، فيمكنها مثلاً زيادة العنصرية وتخفيف الرغبة في المساعدة. وعلى أقل تقدير، فإنها تضيِق نظرة الناس للعالم.

مع التأطير، يمكن لموضوع الصورة أن يصبح بمعزل عن البيئة المحيطة به. ولعل الصورة التي التقطها المصور الصحافي كيفن كارتر Kevin Carter في عام 1994 لطفل في مجاعة السودان يطارده نسر هي من أشهر الأمثلة لتأطير الصورة.
وقد تسببت تلك الصورة التي فازت بجائزة بوليتزر Pulitzer Prize بضجة كبيرة حول المسؤوليات الأخلاقية للمصور. وقد تمت قراءة الصورة كحقيقة حول الوضع، وتساءل المواطنون الغاضبون: لماذا لم يقدم المصور المساعدة للطفل، بل تصرف كنسر آخر ولكن معه كاميرا هذه المرة!
ويقال إن الصورة كانت نتاج عملية تأطير دقيقة. وكان النسر في الواقع بعيداً عن الطفل بحوالي عشرة أمتار، وكانت أمه تسير أمامه. كما كان هناك الكثير من الناس الآخرين في المكان.
وقد أخذ هذا الحدث منحىً مأساويّاً عندما أقدم كارتر على الانتحار عام 1995، وهو الذي كان قد شهد الأهوال لكنه صُدم من الضجة التي تسببت فيها الصورة.

ولعله من المفيد العودة إلى الصورة عند التفكير في مهمة المصور كصحافي. هل فعلاً من الصحيح، أنه لم يكن ينبغي من الأساس التقاط هذه الصورة التي هزت العالم، حتى تكون يد المصور طليقة لمساعدة أحد الأطفال؟